بقلم الزميل د. منذر أبو مروان اسبر ، أكاديمي و باحث، عضو المكتب التنفيذي في هيئة التنسيق الوطنية.
مقال
١٩ أيلول ٢٠٢٤
مقال الأستاذ محمد علي الصايغ بعنوان: وقفة نقدية في المسار السياسي للدكتور جمال الأتاسي، يشكل عودة إلى هذه الشخصية التاريخية الفكرية - السياسية، ومحطة في النقد السياسي الجديد، بما يجعلنا نتوقف عند هذا المقال.
يشير الأستاذ الصايغ إلى أن الدكتور جمال الأتاسي يُعرَف أساسًا “برجل الفكر والسياسة” وبانخراطه “في العمل السياسي الميداني” للانتقال بالمجتمع من “إطارات الدولة ما قبل الوطنية إلى الدولة العصرية” المواطنية الديمقراطية التي تؤسس دعائم القانون والمؤسسات وإرساء قواعد المواطنة الواحدة، وبهذا ترك “تراثًا ضخمًا سواء في الفكر السياسي أو الرؤية الاستشرافية والتحليلية”، لا سيما وأنه تراث يساري في الحياة السياسية.
بيد أن هذا كله لا يحول دون نقد عدد من مواقف الدكتور الأتاسي سواء فيما يتعلق “بموقف الصمت” إزاء من يدفع باتجاه الانفصال، علمًا أنه أعلن عن موقفه الفاصل ضد الانفصال بعد قيامه عام 1961، أو سواء في انخراطه مع الجبهة السياسية لانقلاب الجنرال حافظ أسد عام 1970 ليخرج منها وينتقل إلى المعارضة.
والكاتب ينوه أيضًا إلى تبني الأتاسي للعمل السري بعد الخروج من الجبهة الأسدية للدخول في مرحلة السرية السياسية التي ضيعت فرصة للحضور والتأثير على ساحة العمل السياسي.
وأخيرًا فإن استمرار القيادة الأبوية الكارزمية للأتاسي طوال ثلاثين عامًا، أي حتى عام وفاته عام 2000، تمت بدون تهيئة الكوادر القيادية الجديدة التي تحتاجها السياسة المجددة وكل تنظيم سياسي لاستمراره.وبما أننا نشارك الكاتب فيما قدمته الشخصية الأتاسية فإننا نشاركه في النقد الذي يطرحه.
لكن الكاتب يقوم في الواقع وبشكل غير مباشر بنقد معظم الحركات السياسية السورية لا سيما في انضمامها إلى الجبهة الأسدية أو في مراحلها السرية أو ممارسة القيادة الأبوية على قواعدها وعدم التداول القيادي فيها وضمور تأهيل قيادات جديدة وعيًا وخبرة وجدارة تأهيلًا لها لتسنم مقاليد الدولة.
وفي الوقت الذي يطرح فيه الكاتب أن أي تقييم لمرحلة ما أو شخصية تاريخية يجب أن “يرتكز على معيار المكان والزمان والظروف”، إلا أن هذا يجب ألا يكون “باعثًا على التبرير والتعلل بالظروف”.إذن السؤال الذي يطرح علينا بوجه عام وبما يتعلق بالحاضر أيضًا هو التالي: كيف يمكن أن نفسر عثرات الأخطاء التي أشار إليها الكاتب بالنسبة لشخصية فكرية - سياسية؟
والواقع أن هذه المشكلة الرئيسية تظل مفتوحة وتطرح بقوة السؤال حول طبيعة العلاقة بين الفكر السياسي المعمول به وبين التنظيم السياسي الذي يتوجه بهذا الفكر ومقاربة الواقع للعمل فيه ولتغييره؟ وإذا استخدمنا تعبير الكاتب “ما هي “المحركات الموضوعية والذاتية عند اتخاذ القرارات”؟
وبالعودة إلى الواقع الموضوعي والذاتي الذي عاشه د. جمال الأتاسي، لا بد من الإشارة إلى مواجهته إياه أيضًا بنقده الواقعي الملموس، فيما يتعلق بالموضوعات التالية:
• تعرية النظام ونقد المعارضة
• نقد المجتمع الذي عاد إلى عصبياته الأولية
• نقد رصيد الثورة نظمًا وتنظيمات
• الإعداد لجيل وحدوي جديد
بهذا لا مندوحة عن التوقف هنا بعض الوقت، إذ ماذا يعني الفكر النقدي للمعارضة السورية سوى مراجعة ما تقوم من أخطاء ونتائجها عليها وعلى البلاد؟ وماذا يعني نقد المجتمع سوى تحوله إلى الغرق في الروابط الأولية وعدمية الإرهاب والإرهاب المضاد في الثمانينيات؟ وماذا يعني نقد الثورة وتنظيماتها في الوطن العربي سوى عدم تعضيها بالشعب والتنظيم الشعبي الفاعل المبادر؟ وماذا يعني أخيرًا إعداد جيل وحدوي جديد سوى التخلص من الشوائب الانتهازية التي عرفها الحزب وشكلت وبالًا على الحركة السياسية السورية برمتها؟
ثمة إذن أن الدكتور الأتاسي يدعو، بما قام به من نقد في مرحلته، إلى النقد اليوم وبنفس موضوعاته في حالة من الأوضاع الكارثية والفوضوية لسورية وغيرها من بلدان عربية.
أخيرًا فإن الكاتب وهو يؤكد على الدور القيادي للدكتور الأتاسي وتراثه الضخم، يشدد، وهو على صواب، على أن نقد الأخطاء من أجل المراجعة هو تجاوز للأخطاء باتجاه المستقبل. بل نستطيع القول، وبما نطرحه من ضرورة تجديد اليسار نظرًا ونقدًا وعملاً، إن مقاله يشير بوضوح إلى أن النقد الجديد شرط رئيسي للتغيير