السويداء: الحراك خلال عام من انطلاقته
خط مسار الحراك والمحطات الهامة من نجاحات وصعوبات وتطوير الحراك
تقرير وردنا من د. غسان أبو الفضل، احد كوادر الحراك في السويداء منذ بدايته
تقرير
١٢ أيلول ٢٠٢٤
انطلق حراك السويداء عفوياً من عمق المجتمع المحلي، بعيداً عن أي تنظيم حزبي أو مدني أو أهلي. جاء الحراك ليعبر عن ردة فعل طبيعية ضد القهر والجوع والظروف المعيشية التي أصبحت مستحيلة في ظل تغييب كرامة المواطن وإنسانية الإنسان. تبنى الحراك منذ اللحظة الأولى شعارًا سياسيًا يتمثل في إسقاط النظام، لكنه لم يكن يمتلك رؤية واضحة لما بعد إسقاط النظام.
ولأول مرة في المحافظة منذ ٢٠١١، استطاع الحراك استقطاب جزء من المجتمع المحلي. فبعد أسبوع من انطلاقته، أصدر سماحة الشيخ حكمت الهجري بياناً مميزاً يؤيد الحراك ويؤكد على شرعيته ومبرراته، حيث كان هذا البيان محطة هامة في مسيرة الحراك. كان البيان إعلاناً عن وحدة موقف المجتمع المحلي وشكّل دفعة قوية وصلبة للحراك، وبذلك أصبحت المرجعية الروحية مرجعية وطنية بدعم الغالبية العظمى من الشرائح الوطنية في المحافظة والمجتمع المحلي بأكمله.
ثم جاء بيان سماحة الشيخ الحناوي بنفس المنحى لدعم الحراك، مؤكداً بشكل غير مباشر على موقف الشيخ حكمت. توافدت الشخصيات المجتمعية والعائلات من الريف، بغالبية قراه، إلى مضافة الشيخ حكمت والشيخ الحناوي.
هذا الموقف عبّر عن موقف المجتمع من الحراك ودعم المرجعية الروحية له، وشكل نقطة جذب للأحزاب والتشكيلات السياسية والمدنية التي كانت في أزمة. لماذا؟ لأنها كانت عاجزة عن تشكيل مرجعية جامعة ومستقطبة للمجتمع المحلي.
ومع ذلك، نقلت هذه الأحزاب أزمتها إلى الحراك، حيث حاولت عبر الخبرة والحنكة السياسية أن تتصدر المشهد وتظاهرات الحراك، وأن تجرّه إلى أجندات حزبية وأيديولوجية. لكنها فشلت في ذلك. كما ظهرت تشكيلات وتيارات سياسية ومدنية وهمية تحت عناوين مختلفة على هامش الحراك، تحمل نفس الأهداف بشكل عام، حيث حاول كل منها أن يمثل الحراك، لكنها لم تستطع، رغم التشابه بينها، أن تتوحد في برنامج عمل واحد.
شهد الحراك نقلة نوعية بمبادرات من وجوه وطنية مثقفة، وهي التشكيلات المدنية التي عُرفت بالتجمع المهني، والذي ضم مهندسين ومعلمين ومحامين وأطباء وكتاباً. شكل هذا التجمع محطة هامة، بعيداً عن الخنادق الحزبية أو الأيديولوجية، وأثمر عن إيجاد صيغة لهيكلية الحراك وتشكيل لجانه المتخصصة. وأخيراً، تم إنضاج هذه الخطوة بأسلوب يقارب الديمقراطية، حيث تقبل الحراك بمجمله هذه الهيكلية رغم بعض الملاحظات التي تهدف إلى تطويره وتحسين أسلوب الأداء الديمقراطي فيه، مع التأكيد على السلمية ومشاركة المرأة المتميزة التي أعطته وجهاً حضارياً.
ساهمت عدة عوامل في نجاح الحراك، منها محاولة السلطة فرض استبدادها على مجتمع قبلي عشائري طائفي إثني، واستخدام كل ما هو قانوني واجتماعي وأهلي للسيطرة عليه، بما يمنح الدولة العميقة (السلطة الأمنية) دور الآمر والناهي في السويداء. لكنها لم تنجح في ذلك. ومع تطور الحراك، تم تحقيق تجمعات مهنية أهلية دفعت التشكيلات المهنية الأخرى للخروج من هيمنة السلطة.
ثقافة المواطنة كانت أساسية في الحراك، لأنها ترتبط بطموحات الشعب السوري وتجمعه حول الرابطة المدنية. هناك بعض الإيجابيات في ثقافة المجتمع المحلي التي يجب تعزيزها، مثل التعايش، التسالم، العدل، التسامح، والتضامن لمصلحة الجميع والشأن العام السوري، خصوصاً مع مواجهة الحراك للعديد من الصعوبات الداخلية وفرض احترامه على الساحة الدولية.
أما الصعوبات التي واجهها الحراك، فهي المحاولات المستمرة لنقل الحراك إلى ملعب السلطة عبر العنف، بالإضافة إلى محاولات التشويه الدعائي وتخوينه. كذلك، هناك محاولات لشق الحراك من قبل جهات تعمل بأجندات خارجية وبتمويل سياسي أجنبي، ما زالت تعمل تحت أسماء مختلفة ضمن ساحة السويداء.
في الختام، لا بد من الإشارة إلى أن كل حركة جماهيرية تتعرض للغربلة والفرز النوعي، وهذا طبيعي. الجانب الإعلامي والإعلاني في الحراك ما زال بحاجة إلى تطوير ممنهج يعتمد على كوادر مختصة، ولا بد من استثمار خبرات الكوادر السياسية وتشكيل لجنة استشارية سياسية منهم. كما يجب وضع ضوابط وخطط لتطوير عمل اللجان باستمرار، ورسم حدود الصلاحيات لكافة اللجان والمرجعية الروحية، مع تغليب الحوار في العلاقات. وينبغي للحراك أن يعتمد على قواه المؤمنة به وبمطالبه العادلة.