مقال
١٨ تموز ٢٠٢٤
مقدمة التحرير
لطالما كانت قضية المعتقلين/ات جرحاً نازفاً في جسد سوريا، إذ لم تكن هذه المشكلة طارئة أو محصورة بفترة زمنية معينة، بل هي مشكلة مستمرة منذ عقود طويلة، إذ تعكس طبيعة النظام الحاكم ونهجه القمعي تجاه المعتقلين السياسيين.
يقدم مقال الدكتور جمال الأتاسي الذي كتبه في تشرين ثاني ١٩٩٢ - ونُشر في الموقف الديمقراطي العدد ١١- توثيقاً لحالة وقضية المعتقلين/ات السياسيين ومعتقلي حرية الرأي والضمير، وكأننا نتحدث عنهم اليوم، مما يبرز راهنية الأزمة واستمراريتها في الماضي والحاضر، وقد تمتد مستقبلاً إذا لم يكن هناك تغيير جذري.
قضية المعتقلين ستظل القضية الأولى والأهم بالنسبة لنا في هيئة التنسيق والوطنية، وعلى انها قضية فوق سياسية و فوق تفاوضية وفق القرار ٢٢٥٤، وسنظل ندعوا للنضال من أجل تحريرهم وتحرير جميع السوريين من قبضة الأسر والتوحش و مستمرين حتى تحقيق العدالة.
المقال
إن اهتمامنا في هذه النشرة «الموقف الديمقراطي» المعبرة عن الموقف الموحد للأحزاب والأفراد الذين تجمعهم رابطة «التجمع الوطني الديمقراطي» بقضية المعتقلين السياسيين ومعتقلي حرية الرأي والضمير وبأحوالهم ومصائرهم والمحاكمات التي تجريها محكمة أمن الدولة لمجموعات إثر مجموعات منهم، واهتمامنا ومتابعتنا لكل ما يعمل لأجلهم، وكل ما يكتب ويقال دفاعاً عنهم، ومطالبة بإنصافهم وإنهاء ارتهانهم وأسرهم، لا يعود فقط إلى أن بينهم عدد كبير من قادة ومناضلي أحزاب التجمع ومن الوطنيين المناضلين في سبيل التغيير الديمقراطي، وإطلاق حرية الكلمة والرأي، ودفاعاً عن الوطنية والمواطنية وحقوق المواطن ومبادئ حقوق الإنسان، فهذه القضية- قضية المعتقلين السياسيين ومحاكمتهم- إنما تعبر بشكل كاشف عن طبيعة تعامل النظام الحاكم وأدواته السلطوية مع المعارضة الوطنية وكل أصحاب الموقف والرأي المعارض لنهج النظام وإجراءاته، كما تعبر بشكل عام عن طبيعة العلاقة التي تقيمها السلطة وأجهزة السلطة مع المجتمع المدني والشعب ، والتي تتسم بالهيمنة المطلقة والقسرية والقمع، وإلغاء أي تعامل ديمقراطي بين الحاكمين والمحكومين، وهكذا فإن هذه المحاكمات وما يحيط بها من أجواء وإجراءات وما يترتب عليها من نتائج ستكون محكاً جديداً لمدى استعداد النظام لمراجعة نهجه، ولكيفية تعامله مع المطالب الديمقراطية والوطنية والشعبية، والنداءات الإنسانية والعالمية التي تؤكد على ضرورة رفع كابوس الإرهاب السلطوي عن المواطنين ، وتطبيق شرعة الحق والقانون والمساواة وحقوق الإنسان.
إن هذا النظام في منهجه الشمولي، والنازل كحق مطلق من فوق المجتمع والشعب قد أقام سداً في وجه العمل السياسي والديمقراطي على صعيد المجتمع وفي وجه أي نشاط سياسي أو اجتماعي أو ثقافي مستقل وخارج أطر الهيمنة المطلقة، فلا رأي ٱخر غير رأيه، ولا يقبل بقيام أية معارضة في أي موقع من المواقع لنهجه، فإما أن تكون مع السلطة راضياً ومؤيداً ومسلماً بكل ما تقول وتفعل، أو أن تدخل الأطر والأقنية التي ترسمها أجهزة النظام للعمل والولاء ، وإلا فأنت خارج على القانون والنظام ، وأي تعبير عن معارضتك لهذا الواقع وما يجري ، أو جهر برأي ٱخر أو موقف لا يتفق مع مقولات نهج الحكم ، يعتبر تهديداً لأمن الدولة وأمن «الحزب القائد للدولة والمجتمع» ولأمن «النظام الاشتراكي» وإذا ما جهرت من عندك واعلنت في موقف معارضتك لواقع الظلم والفساد والتمييز ، ومارست حقك كمواطن وإنسان عن مطالبكم، أو مارست بعضاً من حقوق المواطنة في حرية الكلمة والتعبير، وحرية التجمع والتنظيم الديمقراطي المستقل عن التنظيمات التي فرضها النظام وأجهزته ، تكون قد شققت عصا الطاعة ، وانت من العصاة، ويطالك تحقيق الأجهزة والمحاكمات الاستثنائية بحيثيات المادة القانونية المتعلقة «بتشكيل عصابة أشرار»، وهذا ولو كنت من المطالبين بدولة الحق والقانون ، ومن أشد الناس تمسكاً بالنهج الديمقراطي في التعبير والعمل، ومن أكثرهم حرصاً على سلامة الوطن وأمن المواطن والمجتمع والوحدة الوطنية لفئاته الاجتماعية وعلى العدالة والانصاف وتكافؤ الفرص…
والواقع أن المواطنين في ظل الأحكام الجارية لم يعودوا صفاً واحداً في نظر النظام وقواعده السارية، ولم يعودوا مجتمعاً مدنياً واحداً، بل هم صنفان وطبقتان: صنف الحاكمين وطبقة المنتفعين من الحكم، وكل من يلوذ بهم وينتهز الفرصة ويتبع، يصعد في سلم مراتبية مجتمع الدولة وأهل الحكم ووسطائهم، ويحظى بالمكاسب والثراء والنعم، ويباع له مالا يباع، ويغفر له مالا يغتفر.
أما الصنف الٱخر والذي لم يدخل في مراتبية الطبقة الحاكمة ومجتمع أهل الحكم، وذلك الذي لا يقبل أن يخنع ويتبع، فليس له من حقوق المواطن شيء يذكر، وإذا ما ضاقت أمامه سبل العيش الكريم وفرص العمل، وإذا ما ضاق ذرعاً بكبت حريته وإلغاء حقه في التعبير عن مطالبه وممارسة مواطنيته ، فليس له إلا أن يواجه التهميش والقمع ، أو ليس له إلا أن يهاجر ويرحل، والكثيرون هجروا وهاجروا خارج البلاد، إلا أن هناك من أخذوا يهاجرون إلى الداخل وإلى أغوار المجتمع وإلى روابطه وتقاليده وعصبياته الماقبلية - أي ما قبل القومية وما قبل الوطنية والمواطنية - ليقيموا في رحابها مجتمعاً ٱخر مضاداً، وفي غياب المعارضة الوطنية الديمقراطية، وغياب الشعب بمجتمعه المدني وإرادته الحرة، وغياب تعبيراته السياسية والثقافية الحرة المستقلة ، تصبح حرية الكلمة ويصبح الوعي القومي والتماسك الوطني أمام استلابين وإرهابيين: استلاب النظام الشمولي وإرهاب أجهزته القمعية ، واستلاب المجتمع المضاد وإرهاب عصبياته المذهبية، وهكذا ينفرط عقد المجتمع المدني ، وتغيب حركة التقدم ، وينسحب الوعي القومي عن المواقع التي تقدم إليها، ويغيب ذلك التعاقد الاجتماعي الوطني القائم على المواطنية وحقوق الإنسان وإرادة العيش المشترك في وطن ٱمن ، والإحساس بالمصالح العليا المشتركة للوطن وللأمة بكل فئاتها.
وهكذا لا تعود الأمة واحدة، بل أمماً ومذاهب شتى، ومصالح متعارضة ومتصادمة لا يسوسها إلا الاستبداد والحكم المطلق، وتظل الفوضى والتفجيرات الفوضوية منذرة، والحروب الأهلية كامنةً ومعلقةً بخيط … أوليس علينا أن نتلمس تلك العلامات المنذرة من المحنة الديمقراطية المُرة التي مررنا بها قبل سنوات، ونتعلم مما يجري من تفجيرات في مجتمعات قريبة منا وبعيدة.
فهل لنا بعد هذا أن نجهر برأينا ومواقفنا أمام الحاكمين والمحكومين ، وأمام محكمة النظام التي تحاكم معتقلينا - معتقلي المعارضة الوطنية الديمقراطية، ومعتقلي حرية الرأي والضمير لنقول: إنها ليست المعارضة الوطنية الديمقراطية، وليست مطالبها الحقة في رفع قانون الطوارئ وإلغاء الأحكام والمحاكم الاستثنائية، ورفع كابوس الأجهزة وإجراءاتها القمعية عن كاهل العمل السياسي، وإطلاق الحريات العامة، ليس هذا ما يتهدد أمن الوطن والدولة والمجتمع، بل إن هذا يبقى صمام الأمان ليستعيد الوطن والمجتمع الوطني عافيته، وليستعيد الشعب لحمته الوطنية، ولتكون له إرادته ويمسك بمصائره… ليس هذا كل شيء، بل الخطير في الأمر هو ذلك الاستعصاء الديمقراطي لدى النظام، وذلك الدوران من حول مطالب التغيير، في تقديم بدائل وصيغ وأشكال لا تكرس إلا استمرارية نهجه الشمولي، ورفض واستبعاد أي نهج ديمقراطي.
وإذا ما ظل سيف الاعتقال السياسي مشهوراً في وجه الشعب وظلت المعتقلات تعج بالمواطنين ممن اتخذوا موقفا معارضا أو قالوا برأي آخر، فضلا عن استمرار الاستدعاءات والضغوط والملاحقات لاخضاع المجتمع الشعبي وفرض هيمنة مستمرة عليه وسد أي باب للتغيير الديمقراطي ولقيام مجتمع مدني مستقل بإراداته الشعبية، وأن تكون هذه الإرادات الشعبية مصدر السلطات وهي الرقيبة والحسيبة عليها، فإن هذه المحاكمات التي تجري لمعتقلي المعارضة الديمقراطية تصبح في النهاية محاكمة لكل القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تسعى إلى ممارسة حقوق المواطنية وإلى أن تكون لها إراداتها وتعبيراتها الحرة وتنظيماتها المستقلة عن السلطة وأدوات هيمنتها واحتواءاتها وعن أجهزتها القمعية ومن خلال معاييرنا الوطنية والديمقراطية التي لا لبس فيها نهتم بقضية المعتقلين السياسيين ومحاكماتهم، ونرفع صوتنا مطالبين بوضع حد لهذا النهج القسري و اللاديمقراطي واللاقانوني أصلا واللاقضائي، بإلغاء مبدأ هذا الاعتقال والحجز لحرية الرأي والمعتقد وحرية العمل السياسي، إن مثل هذا الاعتقال وما يصيب المعتقلين السياسيين والمطالبين بالحريات السياسية، ما هو إلا احتجاز وتحريم للعمل السياسي ولتأسيس السياسة الديمقراطية في المجتمع، ومعتقلي المعارضة بأحكام أو بغير أحكام ، لا يعودون إلا رهائن لكي لا يقوم رأي آخر ، ولكي لا يجهر أحد برأي أو موقف آخر.
مبدأ واحد مطلوب أن يكرس وليس غيره ، مبدأ حرية الإنسان وکر امة الإنسان وحرية الفكر والمعتقد ومبدأ المواطنية والمساواة بين المواطنين، ومبدأ حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية، وعلى أساسه لابد أن يفند ويلغى كل ما يعترض سبيله أو ينتقص منه ، والمفروض أنه مبدأ كرسه دستور النظام.
ولا حياة دستورية وديمقراطية إلا بالإنطلاق منه، هذا وقد وقعت على إعلاناته العالمية وعلى الالتزام به الحكومة . وبإسم هذا المبدأ نمارس حقنا في المعارضة وفي التجمع وفي التعبير عن الرأي، وبإسم هذا المبدأ تطالب بما نطالب ونقول مانقول بشأن الاعتقال والمعتقلين السياسيين ومحاكماتهم، ونطالب بنهج ديمقراطي في الدولة والمجتمع وبتعددية سياسية حقيقية وبرفع كابوس الظلم والقهر عن المجتمع والمواطنين.
إن هذه المحاكمات التي تجري لمعتقلي فصائل المعارضة الوطنية القدامى منهم والقريبي العهد بالاعتقال، اختبار جديد لطبيعة نظام الحكم ولنواياه وما يرسمه من مخارج وهي تعيد بالنسبة لنا طرح مسألة الديمقراطية والحريات العامة وضرورة التغيير الديمقراطي، فإما أن تكون هناك مراجعة وإسقاط للتهم المزعومة - وهذا يعني بالنتيجة الاعتراف بحق المعارضة الوطنية الديمقراطية وحق من يجهر بالرأي الآخر بالوجود ، وفي أن تنظم أحزابا ونقابات حرة وتجمعات وجمعيات وأن يعاد الاعتبار والاحترام لمبدأ الحق والقانون الذي يطبق بعدل على الجميع، كما إعادة الاعتبار للمبدأ الديمقراطي في الفصل بين سلطات الدولة ، و برد الاعتبار لنزاهة الضمير واستقلالية القضاء وسلطة القضاء... وهذا يمكن أن يكون مدخلا للتغيير الديمقراطي، أما أن تظل الملاحقات والاستدعاءات والاعتقالات مستمرة وأن تجري المحاكمات ويجري التعامل مع أصحاب الرأي والمطالبين بالحرية ومع المعارضة الديمقراطية تبعاً لذلك النهج السلطوي والمخابراتي، فإن النظام لا يغلق بذلك الباب في وجه الديمقراطية والتغيير الديمقراطي ، بل ويسد المسالك في وجه أية معالجة جدية وصحيحة للمسائل التي يطرحها اليوم واقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي المأزوم والمتعثر، ويحول بين الشعب وبين التعبير عن إرادته والمشاركة في مسؤولية القرارات السياسية التي تتعلق بها مصائره وأمنه ، ومصائر وطنه وأمته.
أما إذا كانت أغراض النظام من هذه المحاكمات مجرد «إخراج» لإغلاق ملف تلك الآلاف من حالات الاعتقال السياسي والحجز منذ سنوات بلا محاكمة أو أحكام، وإضفاء هذه الصبغة القضائية والقانونية المصطنعة لتبرير ما كان من أمر اعتقالهم وإبقائهم في السجون، أمام ضغوط الرأي العام الخارجي والداخلي و المنددين بانتهاك حقوق الإنسان، فإن هذا لا يغني عن الحق شيئا، ولا يعني إلا أن يبقى سيف إرهاب الدولة والاعتقال مشهراً في وجه كل من يرفع صوته بنقد أو يطالب بتغيير ، وبحق أية معارضة أو رأي مغاير، ويعني أن تظل الدولة دولة أجهزة ومخابرات ، وأن تبقى السياسة والتأثير في القرار السياسي وإدارة الحوارات السياسية في المجتمع وإقامة الأحزاب والقيادات الحزبية والنقابية والمهنية ، وإقامة المجالس والانتخابات من صنع الأجهزة الحكومية المعلنة والخفية.
ولا نقف عند تفاصيل ماجرى التعامل به مع معتقلي المعارضة الوطنية وما يمارس بحقهم من أساليب وضغوط ليصلوا بهم إلى إعلان الطاعة والولاء والتنكر لأفكارهم وأهدافهم، أو لتحويلهم إلى مخبرين أو ليشوا بجماعتهم ورفاقهم، أو لدفعهم للالتحاق بطرف من أطراف النظام و زبائنهم المؤيدين .. فذلك مازال هو الخطاب الذي يوجهه النظام وعبر هذه الأساليب، إلى كل العناصر والجماعات المعارضة بل وإلى الجميع، فممارسة السياسة لها طريق واحد لا غير وهو الانخراط في تلك الأقنية المرسومة للولاء والاحتواء، وإلا فلا سياسة و لا عمل سياسي.
ونحن في التجمع الوطني الديمقراطي - أفراداً وأحزاباً معارضة - التقت قناعاتنا وتوحدت مواقفنا في هذا الموقع الديمقراطي المفتوح، نلتمس من خلال هذا المنبر ومن خلال «الموقف الديمقراطي» سبيلا للتعبير عن دعوتنا الديمقراطية وعن مواقفنا وأفكارنا وخطابنا، إنما نتوجه به إلى الشعب ووعيه الوطني وإلى الرأي العام. وهذا طريقنا في الحوار وفي التعبير عن مطالب شعبنا والدفاع عن حرياته ومصالحه، وهكذا نمارس حقنا الديمقراطي وحقوقنا الانسانية كمواطنين.
ومن هذا المنطلق فقد ٱلينا على أنفسنا تحمل أعباء تحديات العلانية، ونحن نريد تأکید مشروعية وجودنا في المجتمع كمعارضة بالحق والقانون، كما يقضي بذلك مبدأ التعددية السياسية في أي نظام يقول بالدستور والديمقراطية وحقوق الانسان .... وليس لهذا التجمع كتجمع ولا لأية مجموعة منه او حزب مطالب «خاصة» به، بل الالتزام بالمطالب العامة للشعب بتعميم قیم الديمقراطية والمساواة وحقوق الانسان والحرية والمواطنية وتكريسها في الممارسة على صعيد المجتمع المدني ليكرسها المجتمع في الدولة، وإطلاق حرية الفكر والتعبير والنشر وحرية العمل السياسي والاجتماعي والثقافي والتنظيمي، ومطلبنا الأول هو تأكيد مشروعية وجودنا كمعارضة ديمقراطية وكحركة مستقلة عن النظام وأدوات حكمه وهيمنته وعن الخارطة السياسية التي يرسمها لحزبه القائد ولجبهة أحزابه التابعة والمؤيدة، ولا نريد مرتعاً لنا على هذه الخارطة، إن موقعنا في المعارضة، ونحن لنا رأي آخر غير رأي أهل الحكم، ولنا منظور ٱخر غير منظورهم للديمقراطية والتعددية وللنظام السياسي والاجتماعي. ونحن نريد أن تعود ممارسة السياسة وممارسة حقوق الإنسان والمشاركة الوطنية إلى المجتمع، كمجتمع مدني له تعبيراته السياسية والثقافية والاجتماعية والنقابية المستقلة عن السلطة وعن إدارة وهيمنة أجهزة السلطة ليقوى الشعب على أن يتقدم وأن يعبر بحرية عن مصالحه وإرادته وليصبح الشعب ومجتمعه المدني بكل فئاته الوطنية مصدراً للسيادة والسلطات .
وإذ يجد النظام نفسه أمام قرارات سياسية صعبة، ومع مناسبة مرور ٢٢ عاماً على «الحركة التصحيحية» ، يعمل على تحريك "شعبيته " من جديد، وهو ينحو كما يبدو نحو تنشيط مؤسسات حزبه «القائد» وأحزاب جبهته «الوطنية التقدمية» التابعة لقيادته لتملأ ساحة العمل السياسي والدعائي، مكرسا بذلك استمرارية نهجه، وأن لا رأي آخر غير رأيه وهذا ما يدعوه ديمقراطية وانفتاحا ويدعوه تعددية سياسية . ونحن لا نرى فيه إلا انسداداً وإغلاقاً للمنافذ في وجه التعددية وفي وجه التغيير الديمقراطي وفي وجه أية معارضة ديمقراطية. ونؤكد أمام هذا النهج وإجراءاته المستمرة، وأمام ما يمكن أن يتخذ من قرارات مصيرية، أننا وفي هذا الظرف بالذات بحاجة إلى إطلاق حرية الكلمة والتعبير، ولابد من إسماع صوت الشعب كله وسماع الرأي الآخر والإصغاء لكل الإرادات الشعبية ، فالمصائر مصائر الوطن وأمن الوطن والمواطن، والمصالح ليست مصالح فئة وهيمنة فئة بل هي المصالح العليا للأمة ولكل فئات المجتمع، وهذا أول ما يتطلب لا تكريس قانون الطوارئ المنصوب باسم الأمن الوطني في وجه حرية الشعب، بل رفعه وإلغاؤه نهائيا.
والمطلوب لإطلاق أية مبادرة ديمقراطية في المجتمع إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع كابوس الملاحقة والاعتقال السياسي والحصار الشمولي عن حركة المعارضة الوطنية الديمقراطية، والمطلوب إقرار قیام تعددية سياسية فعلية، وحرية قيام معارضة ورأي ٱخر والكل يبدأ بحرية الكلمة والمساواة والمواطنية، واعتماد حقوق المواطن والإنسان ومشاركة المواطنين جميعا في تقرير مصائرهم.
وفي صف المعارضة الديمقراطية سنبقى، ومن هذا المنير سنقول كلمتنا، ونرفع صوتنا.