استدارات الأخوان المسلمين وضرورة تجديد اليسار والتوجه نحو الشعب
مقال | بقلم الزميل د. منذر أبو مروان اسبر , أكاديمي و باحث، عضو المكتب التنفيذي في هيئة التنسيق الوطنية
مقال
٢٥ آب ٢٠٢٤
ما زالت وسائل الإعلام تتحدث عن التقارب الذي يجري بين الحكومة التركية والحكومة السورية، والذي يترافق مع استدارة جديدة للإخوان المسلمين تجاه النظام السوري، بسبب العلاقة السياسية والأيديولوجية بينهم وبين الرئيس أردوغان، المدافع عن الإسلام السياسي.
والواقع أن هذه الاستدارة ليست جديدة في سوريا، بل هي جزء من سياسة الإخوان المسلمين، وهذا يقودنا إلى الوقائع التالية:
تمت الاستدارة الأولى بعد أحداث عام ١٩٨٢، عندما أُعلِنَت الثورة الإسلامية التي أكدت أنها لن تقبل بأي حزب في سوريا إلا الأحزاب التي "تدين بعقيدة الأمة"، حيث سعوا إلى التصالح مع النظام الذي أيدته بعض القوى اليسارية، ولكن النظام رفض ذلك إلا بعد اعترافهم بدورهم في أحداث حماة.
بعد وراثة بشار الأسد قيادة السلطة في سوريا عن أبيه عام ٢٠٠٠ في جلسة خاطفة لمجلس الشعب، أعلن الإخوان المسلمون عن استدارة جديدة، حيث أوقفوا معارضتهم للنظام الذي كانوا يحاربونه، بحجة أن بشار الأسد ليس مسؤولًا عن ما قام به والده من اغتيالات ومعتقلات وملاحقات داخل وخارج البلاد.
تم اتفاق بين الإخوان وبين رياض الترك في لندن عام 2006 حول موافقتهم على "إعلان دمشق"، وأن يكونوا أعضاء فيه بعد عقد مؤتمره عام ٢٠٠٧، ولكنهم فضلوا نهجاً آخر بالتحالف مع جبهة خلاص عبد الحليم خدام، الذي كان واحدًا من أركان النظام السوري.
أثناء حرب غزة عام ٢٠٠٩، أعلنوا استدارة جديدة باتجاه النظام السوري، معتبرين أن فلسطين هي قضية محورية للأمة العربية، وأعلنوا عن إيقاف كل معارضة للنظام السوري باسم وحدة الأمة الإسلامية والمخاطر التي تواجهها.
المحادثات التي تجري بين النظام السوري وتركيا، والتي ترتبط بالضرورة مع مستقبل الإخوان المسلمين الذين اعتبروا احتلال الجيش التركي للشمال الغربي السوري تحريرًا ودعموا الإدارة الذاتية الائتلافية فيه، تتجه نحو خلق استدارة جديدة لهم، بذريعة أن النظام التركي سيادي في خدمة المصالح التي تمليها تركيا في علاقتها مع النظام السوري.
والسؤال هو: كيف تمت هذه الاستدارات ضمن السياقات التالية:
أولًا: تمت الاستدارة الأولى بعد فشل الإخوان المسلمين في الثورة الإسلامية عام ١٩٨٠، في حين أن التجمع الوطني الديمقراطي شكل جبهة يسارية بديلة للنظام، تطرح التغيير الوطني الديمقراطي السلمي.
ثانيًا: أن الاستدارة الثانية مع الأسد الابن حدثت مع صعود مجتمع مدني طالب بالحريات الديمقراطية، وهدد بوجود التجمع الوطني الديمقراطي بقيام كتلة تاريخية ثقافية ـ حزبية ـ سياسية واسعة في الداخل والخارج.
ثالثًا: الاستدارة الثالثة تمثلت في ما سماه يسار رياض الترك "هبوب الرياح الغربية" (أمريكا)، والاتفاق بينه وبين الإخوان المسلمين على إنهاء التجمع الوطني الديمقراطي واستبعاد الاتحاد الاشتراكي من قيادة إعلان دمشق عام ٢٠٠٧.
رابعًا: بيانهم عام ٢٠٠٩، الذي أكد على محورية القضية الفلسطينية ووقف المعارضة ضد النظام كما أشرنا، خضع لحسابات إقليمية مع إيران، بهدف إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية التي لم تستطع التقدم في تحقيق اتفاقيات أوسلو.
بهذا، انتهج الإخوان المسلمون سياسة الاستدارات السياسية التي لم يقطفوا ثمارها في تاريخ سوريا الحديث، بسبب نمط الإسلام السياسي الذي يصعب تحقيقه في بلد متعدد الأديان والطبقات والأعراق والإيديولوجيات. وفي الوقت نفسه، شكل اليسار السوري إشكالية حقيقية لهم، حيث سعوا لمواجهتها بقطع الطريق أمام كل تغيير وطني ـ ديمقراطي ـ سيادي. واليسار بحاجة إلى توضيح علاقته مع الإخوان المسلمين، وضرورة تجديده وتعضيده مع الشعب لكي يتمكن من المساهمة في التغيير.