حوار صحفي | مع الزميل المحامي محمد علي صايغ, عضو المكتب التنفيذي في هيئة التنسيق الوطنية وعضو اللجنة الدستورية في هيئة التفاوض.
حوار
١٠ حزيران ٢٠٢٤
السؤال الأول: الدستور هو القانون الأعلى الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم والعلاقة بين السلطات وحقوق وواجبات المواطنين يوضع من قبل سلطة مختصة وفق إجراءات محددة ، برأيك كيف تؤثر آلية وضع الدساتير على الاستقرار في البلاد ؟
الجواب: اعتقد أن هناك فرق بين وضع الدستور في ظل سلطات ديمقراطية أو في ظل سلطة استبدادية ..
في السلطات الديمقراطية يتم وضع الدستور عبر ٱليات تضمن المشاركة والموافقة الشعبية عليه عند صدوره ، عبر مؤسسات منتخبة ويتم دعم كل ذلك بالاستفتاء الشعبي .
ومن هنا وحيث أن الدستور له مرتبة السمو على القوانين ويعتبر الناظم لها ولا يجوز للقوانين مخالفته. فإنه ضمن هذه الٱليات فإن الاستقرار السياسي والمؤسساتي هو الذي يطبع بطابعه الدول الديمقراطية.
في حين في الدول الاستبدادية ، فإن إنشاء الدستور وتطبيقه يخضع لتلك السلطة وبما يضمن استمرارها واستمرار مصالحها وسيطرتها ، لذلك يتم إنجاز الدستور عن طريق الفرض أو عن طريق مؤسسات شكلية لا تستطيع تجاوز الصياغات المطلوبة منها ، وحتى الاستفتاء يكون شكليا .. ولذلك فإن هذه الدول تتعرض غالبا لهزات سياسية واضطرابات وانقلابات وثورات عليها …
السؤال الثاني: وضع الدستور شأن داخلي ،لكن بعض الدول خاصة الخارجة من نزاعات قد تحتاج للمساعدة في هذا الأمر لذا تلجأ لمنظمة الأمم المتحدة كون لديها باع طويل وإمكانيات في المجال الدستوري فماهو رأيك بهذا الدور للأمم المتحدة؟
الجواب: أيضا للجواب على هذا السؤال يجب التفريق هنا بين أن تلجأ مثل هذه الدول الى طلب مساعدة الأمم المتحدة في صناعة دساتيرها ويكون تدخلها مباشراً، وهذا بالتأكيد سيؤدي الى إنتاج دستور لا ينسجم مع حاجات ومتطلبات وبيئة مجتمعاتها أو مخزونها الثقافي ويصطدم مع تلك المجتمعات .. وبين لجوء هذه الدول للاستعانة بخبير أو بعض الخبراء من الأمم المتحدة للتشاور معهم لا أكثر ، لكن الدستور يجب أن يتم إنشاؤه بقانونيين وخبراء وطنيين في المحصلة ..
السؤال الثالث: نتيجة لتزايد نفوذ القواعد القانونية الدولية ومعالجتها لمسائل كانت تعتبر شأن داخلي ظهر مفهوم تدويل الدساتير فماهو برأيك أثر هذه الظاهرة على سمو الدستور وسيادة الدولة ؟
الجواب: أرى من الخطأ تدويل أي دستور ، لان ذلك يخرج الدول عن وطنيتها .. ولم نشاهد في أي دولة متحضرة ومتقدمة لجأت الى تدويل دستورها ، فلكل شعب او كل أمة لها خصوصيتها ، وهذا لا يعني أن تكون بعض مفردات هذا الدستور او ذاك له طابع دولي ، خاصة إذا انسجم مع بعض الاتفاقيات والبروتوكولات والاعلانات الموقع عليها من تلك الدول، كمبادئ حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل وقواعد القانون الإنساني الدولي وغير ذلك ..
السؤال الرابع: ساهمت الأمم المتحدة في عملية وضع الدساتير في البلدان الخارجة من نزاعات مثل البوسنة وجنوبي أفريقيا والعراق . كيف ترى هذه المساهمة ، وهل كان لها أثر إيجابي أم سلبي على الاستقرار في هذه الدول ؟
الجواب: أرى بأنه يجب عدم الخلط بين صناعة دستور لدولة ما ، وبين أن تساهم الأمم المتحدة في وضع دستور لهذه الدولة .. وكما في البوسنة وجنوب أفريقيا والعراق ، نجحت هذه المساهمة جزئياً في جنوب أفريقيا مثلاً ، ولكنها لم تنجح في العراق .. ذلك كله حسب طبيعة هذه المساهمة وحجم التدخل في تلك المساهمة .. وخاصة إذا كانت المساهمة ناتجة عن عملية الفرض لهذا الدستور او ذاك ، تبعا لتبعية الدولة خارجياً أو إذا جاءت المساهمة عبر احتلال .… واعتقد الجميع يعرف ماجرى في العراق عبر دستوره الذي أوصل الى شكل من أشكال التقسيم ….
السؤال الخامس: هل ترى خيارات أفضل كبديل عن مشاركة الأمم المتحدة في عمليات وضع الدساتير في البلدان الخارجة من نزاعات مثل(تفويض هذه المهمة لمنظمات إقليمية أو دولية أخرى ،تكوين جهات خاصة بتطوير الدساتير ،استخدام تكنولوجيا حديثة لتيسير عملية وضع الدساتير...) بين ذلك الأمر ؟
الجواب : أكرر جوابي بأن مشاركة الأمم المتحدة او المنظمات الدولية أو الإقليمية يمكن أن تأتي من باب المشورة والخبرة والاستفادة من تجاربها ، وليس على أساس صناعة الدستور لهذا البلد أو ذاك ..
لأن الدستور أي دستور يمكنه الاستفادة من تجارب الٱخرين لكن يجب صناعته بخبرات وكادرات وطنية وقانونية تضع احتياجات ومتطلبات مواطنيها فوق كل اعتبار
السؤال السادس : الآن رح سننطلق بالدستور من إطار العموميات الى الدستور السوري بشكل خاص.
في إطار السعي لإيجاد حل سلمي وسياسي للنزاع في سوريا قامت الأمم المتحدة بتنظيم مفاوضات السلام وتيسير الحوار بين الأطراف ووضع المسار الدستوري وتيسير جلسات اللجنة الدستورية ماهو تقييمك لهذا الدور ؟
الجواب: في سورية كل شئ متعثر ، والمفاوضات متعثرة ، المشكلة ليست في دور الأمم المتحدة وحجم هذا الدور في تحقيق الحل السياسي السلمي ..
لا شك أن هناك فرق بين ان تكون الامم المتحدة مجرد ميسر ، أو أن تكون منسق في تصويب الاختلاف بين الأطراف المتفاوضة ..
ولكن اعتقد الأهم هو في القرار الذي يجري عليه التفاوض ..
القرار الدولي 2254 / 2015 قرار إشكالي ، ويخضع لتفسيرات متعددة عند التنفيذ، عدا أن هذا القرار لا يمكن تنفيذه بدون توافق دولي ، والى الٱن أعتقد وكلنا منعرف لا يوجد توافق دولي لحل المسألة السورية.
السؤال السابع: إن عملية وضع دستور دائم قد تكون أكثر تحديًا ومعقدة لذا يرى البعض أن دستور مؤقت مناسبًا في بعض الحالات إذا كانت الأوضاع غير مستقرة فما هو رأيك الأنسب لسورية ولماذا؟
الجواب: من الصحيح أن الدستور المؤقت هو الأنسب ، الدستور الدائم يتطلب مؤسسات منتخبة لإنشائه والتصديق عليه من الشعب السوري ، أما الدستور المؤقت وفي ظل الظروف الاستثنائية في سورية ، وفي غياب إيجاد إمكانية تشكيل مؤسسات منتخبة فالدستور المؤقت هو الأفضل ، وحقيقة الأمر فإن الدستور الذي تم الشغل عليه من المعارضة مؤقت لخمس سنوات ، أكثر أو أقل بقليل حسب التفاوض والاتفاق.
السؤال الثامن: ماهو رأيك بآلية تشكيل اللجنة الدستورية من حيث تقسيمها إلى (معارضة، نظام ،مستقلين ) فهل تضمن تمثيل شامل لجميع المكونات السياسية والاجتماعية في المجتمع السوري وهل راعت معايير الشفافية والعدالة وتنوع الآراء والخبرات لتحقيق أفضل نتيجة؟
الجواب: إن أي لجنة سيتم تشكيلها سيتم الاعتراض عليها من السوريين .. وقد استمر الجدال عند اعتماد اللجنة الدستورية وقتاً طويلاً جداً ، الى أن استطاعت الأمم المتحدة وضغط من مختلف الدول الفاعلة الى تشكيلها ، أما مقياس الفاعلية والخبرات فهذه لا تقاس إلا عندما يتم إنجاز الدستور أو جزء منه ، والى الٱن لا أحد يستطيع الحكم على اللجنة لأنها لم تسير او تتقدم خطوة واحدة ، نتيجة تشابك الملف السوري وتعقيده.
السؤال التاسع: ينص القرار 2254 على إجراء عملية سياسية شاملة وداخلية في سوريا بقيادة السوريين أنفسهم كما يحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، فهل ترى أن هذا القرار يساهم في تحقيق الاستقرار في سوريا من خلال النص على وضع دستور جديد؟
الجواب : القرار 2254 ينص على عملية سياسية سورية متكاملة ( هيئة حكم انتقالية ، ودستور وقانون انتخابات وانتخابات ، وٱليات لمكافحة الإرهاب ) ، الدستور جزء من العملية السياسية ، ولوحده الدستور لا يساهم في الاستقرار ، إذ لا بد من وجود بيئة ٱمنة ومحايدة لانجاز كافة مخرجات القرار 2254 ، الدستور هو مقدمة للشغل على بقية المخرجات ومن بينها هناك في القرار مواد اساسية فوق تفاوضية منها الافراج عن المعتقلين من مختلف الجهات ، وبيان مصير المفقودين ، إضافة الى وقف دائم لإطلاق النار ، وهذه المواد الفوق تفاوضية لم تتقدم أيضا بخطوة واحدة . ولا زال الملف السوري كما قلنا مرتبطا بتوافق الاطراف الدولية .. والعملية الدستورية برمتها كما أرى أو أعتقد تسير تقطيعاً للوقت لحين الوصول إلى توافق دولي فعلي .
السؤال العاشر: تعد أهم محددات الهوية الوطنية(اللغة ، الدين ،الثقافة ، الأرض ) فهل ترى أن دستور سورية المستقبلي سوف يحمل في طياته تغييراً لهذه المحددات التي ترسخت من خلال الدساتير السابقة؟
الجواب: كما تعلمين لكل دولة في الدنيا محددات لهويتها الوطنية ، وبالتأكيد ستنعكس هذه المحددات على دساتيرها..
ودستور سورية أيضاً لا يمكن أن يخرج عن محدداته الوطنية ، لأن هذا الدستور لا يُصادق عليه إلا بعد استفتاء حر وديمقراطي من الشعب السوري ، وفي معالجة مفردات الدستور قد تختلف الأولويات بالنظر الى تلك المحددات في صياغات دستورية تضمن الوحدة الوطنية للشعب السوري ، وهذا كله يرجع إلى أهمية هذا المحدد أو ذاك في سياق الصياغات الدستورية .. إذ تختلف الصياغات من زمن لٱخر حسب التقدم الثقافي والمعرفي للشعب السوري ، وهذا كله يرجع الى أهمية هذا المحدد أو ذاك بسياق الصياغات الدستورية . لذلك في الدساتير المختلفة هناك اختلاف بين دستور ودستور ، وبالتالي قد تتراجع أهمية محدد ما ويتقدم ٱخر عليه بمحدد ٱخر، وهذا بالتأكيد يتحدد عبر المناقشة والحوار بين الأطراف المتفاوضة وقبول الشعب بالمخرجات الدستورية التي تم التوصل لها ، لذلك فلا يمكن أن تخرج هيئة التفاوض بمخرجات لا يوافق عليها الشعب السوري وإلا سيكون كل شغلهم بدون جدوى.
السؤال الحادي عشر: برأيك ماهي مقومات نجاح
العملية الدستورية في سورية؟
الجواب : أرى المقومات لنجاح العملية الدستورية بما يلي
١- قناعة الأطراف وجديتها في أهمية العملية الدستورية كخطوة على طريق تنفيذ القرار 2254 ومن ثم الانخراط الجدي في عملية إنجاز الدستور استنادا الى القناعة بأهمية هذه الخطوة كمقدمة للخطوات الأخرى
٢- واستنادا الى المقوم الأول فإن على الأطراف المتفاوضة إسقاط الحل العسكري نهائيا من تفكيرها وأجندتها ، ووجود القناعة التامة بأن الحل العسكري لا يمكن أن يقود الى استقرار وحل سياسي ، كما لا يمكن أن ينهض بالدولة السورية بعد الكوارث التي لحقت بها خلال سنوات الحرب.
٣- أن ينصب تفكير كافة الاطراف على أن من المهم الابتعاد عن المصالح الشخصية والفئوية الضيقة أو الارتباط بأجندات الدول وإيلاء مصلحة الشعب السوري الأهمية الكبرى ، والقناعة لدى الجميع سلطة ومعارضة بأن لا استقرار في سورية بدون حل سياسي وانتقال سياسي أيضا إلى دولة ديمقراطية تداولية يتشارك الشعب السوري وقواه في تأسيسها عبر قاعدة المواطنة المتساوية .
٤- لا بد من وضع جدول زمني صارم لإنجاز الدستور ، فلا يجوز أن تمتد المفاوضات الى مالا نهاية دون تقدم يذكر في العملية الدستورية التفاوضية.
٥- لا بد من جدية حقيقية لإنجاز صياغة الدستور والتوافق عليه من الأطراف ، والانخراط الجدي أيضا ببقية السلال التفاوضية الأخرى ، والسلال مثل ما عددناها ( هيئة حكم انتقالي ، دستور ، قانون انتخابات وانتخابات ، ومكافحة الإرهاب أو ٱليات مكافحة الارهاب ) ، فالدستور مهما كان عظيما يبقى حبرا على ورق إذا لم يتم الدخول فعلاً الى باقي مخرجات القرار 2254 والبدء بالعمل على تشكيل هيئة الحكم الانتقالي التي تحكم وفق الدستور المنجز ، طبعا الدستور المنجز نقول هو المؤقت كما نراه . ، ومن ثم وعن طريق هيئة الحكم يتم تهيئة البيئة الٱمنة لانتخابات تشريعية ورئاسية.
12- هل تعتقد أن العملية الدستورية في سورية سوف تلقى النجاح وتفضي إلى حل دائم للنزاع ولماذا ؟
ج- مثل ما قلنا .. العملية الدستورية لوحدها حتى لو أنجزت لا تحقق النجاح في الانتقال السياسي ففي سورية دساتير كثيرة وخاصة دستور ١٩٧٣ ودستور ٢٠١٢ وهي كلها دساتير موجودة ولا يوجد تطبيق لها ، فالعملية الدستورية هي خطوة على الطريق ، وقد تكون مفصلية للدخول في الخطوات او السلال الأخرى ، عملية الانتقال السياسي تتطلب جهدا كبيرا ومركزاً ، كما تتطلب تضحية من جميع الأطراف في سبيل إنجاز الخطوات الأخرى ، فالعملية السياسية متداخلة ومتكاملة ويجب العمل عليها بإنكار الذات الشخصية والمصالح الضيقة من أجل تحقيق ٱمال الشعب السوري في الاستقرار والتقدم.
أجرى اللقاء خبير في القانون الدستوري