مقال | بقلم رامز باكير، محرر الموقع و عضو قيادة فرع المهجر في هيئة التنسيق الوطنية، وعضو عامل في الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي).
شتات
١٦ أيار ٢٠٢٤
مع التدهور السياسي والاقتصادي في الدولة اللبنانية ، وتطبيع الدول العربية مع النظام السوري، وتفكك المعارضة السورية، تتفاقم معاناة السوريين، وخاصة الطبقة العاملة الأكثر افقاراً و التي يكاد دخلها اليومي لا يتجاوز عشرة دولارات، مما يدفعهم نحو ظروف أكثر مأساوية في بلد اللجوء الشقيق.
وبعد حادثة مقتل باسكال سليمان في نيسان - الذي كان منسقًا لحزب القوات اللبنانية في منطقة جبيل - تسببت - كرد فعل على مقتله - موجة جديدة وأكثر حدة من ذي قبل من التهديدات ضد اللاجئين السوريين في لبنان. فقد زادت التصريحات غير المسؤولة من السياسيين والمدنيين والزعماء الطائفيين من حدة التوتر، مثل التصريح الذي اقل ما يقال عنه غير لائق لسمير جعجع، رئيس حزب الكتائب اللبنانية، " بأن السوري من أجل ٥٠ ليرة بيقتل انسان"، بالإضافة إلى تصريح جورج بوشيكيان، وزير الصناعة اللبناني المؤقت، الذي حمّل السوريين مسؤولية جرائم عديدة وبأنهم يتسببون في تعميق المشاكل في لبنان ، ويقترفون جرائم اختطاف وسرقة وتهريب وتعاطي المخدرات وغيرها".
لا يمكن فهم الاعمال العدائية العنصرية المرتكبة ضد السوريين في لبنان على أنها مجرد تعبير عن ردة فعل على حادث سياسي معين، بل هي نتيجة لتكثيف الخطابات السياسية والاجتماعية التي دفعت بالعنف إلى الأمام، متسببة في سلوك عنيف جماعي وانفلات قيادات حزبية وعناصر غير مسيطر عليها أدت إلى ازدياد الحالات التي يتعرض فيها اللاجئين السوريين للاعتداء والاستهتار بالممتلكات والطرد من منازلهم ومخيماتهم و محلاتهم وحتى الاختطاف و القتل، كما حدث في حادثة اعتراض سيارة أجرة تحمل اثنين من السوريين في البقاع الشمالي، وحرق مخيمات السوريين في عرسال، مع غياب تام للسلطات الأمنية والقضائية اللبنانية في محاسبة المحرضين والفاعلين.
ووفقًا لرمزي قيس، باحث في منظمة هيومن رايتس ووتش، "لم تبدي السلطات اللبنانية أي جدية في حل أزمة اللاجئين السوريين"، إذ بدلاً من ذلك، طرحت اقتراحات تعتمد على الترحيل السريع وغير المسؤول، مما يشير إلى تضييع الفرصة لحل الأزمة بطرق قانونية.
❞
المأساة السورية في لبنان لم تعد فقط مجرد أفعال فردية وعنصرية عابرة، بل أصبحت جزءًا من استراتيجية قوى الاقطاع السياسي في لبنان. ويقع على القوى السياسية السورية و الشعب السوري و على المجتمع الدولي العاتق والمسؤولية تجاه اللاجئين السوريين لتخطي هذه المأساة والحملات المحمومة الغير مسبوقة ، التي قد تهدد حياة عشرات الآلاف في حال تم اتخاذ قرارات غير مسؤولة لترحيلهم.
ومن جهة اخرى، يتم تشجيع هذه الأعمال ضمنيًا من قبل أطراف في حزب الله، والذي من المفترض أنه الحاضن والداعم وحليف السوريين في محور الممانعة، حيث دعى الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله - في كلمة متلفزة إلى "فتح البحر" أمام اللاجئين السوريين، للضغط على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للمساعدة على إعادة اللاجئين إلى سوريا وتقديم المساعدات لهم هناك. وفي نفس السياق، قال الرئيس اللبناني السابق ميشال عون في منشور على منصة إكس "أي فكر جهنمي ابتدع مشروع توطين النازحين السوريين في لبنان وتشريد اللبنانيين في أصقاع الأرض… اليوم يعاود بعض المجتمع الدولي طرح هذا المشروع بعد أن انتفى السبب الأمني للنزوح".
وبدلاً من تكثيف الجهود في الحرب على غزة ، ووضع حد للاختراق الاسرائيلي في رصد تحركات قياداته، والعمل على وضع حد لأغتيالات قيادات في حزب الله مثل مقتل القيادي محمد إبراهيم سرور في منطقة بيت مري في بيروت العاصمة إضافة إلى قيادات أخرى يتم رصدها واغتيالها من قادة الحزب ، فإنه يجري العمل لتغطية انكشاف واختراق المنظومة الأمنية لحزب الله بإثارة مشكلة اللاجئين السوريين ، و خلق مشاكل لتحويل غضب جمهوره و الرأي العام اللبناني على تركيبة السلطة اللبنانية واحزابها ، باللعب بورقة اللاجئين السوريين لصرف الأنظار عن المشاكل التي يعانيها الشعب اللبناني والاحزاب بزعاماتها التقليدية الطائفية التي تتاجر بمصير اللبنانيين ، ودفع الاقتصاد اللبناني إلى مزيد من الانهيار عبر تجارة المخدرات ( زراعةً ونقلاً وتسويقاً ) والإتجار بالبشر ، والامتيازات اللوجستية لتسهيل كافة أوجه الاتجار غير المشروع . كل ذلك في ظل صمت المجتمع العربي والدولي على الانتهاك الفاضح لقواعد القانون الدولي الإنساني الذي يتناقض في نصوصه مع الإهانة والترحيل غير الٱمن الذي يتعرض له السوريون في لبنان .
المأساة السورية في لبنان لم تعد فقط مجرد أفعال فردية وعنصرية عابرة، بل أصبحت جزءًا من استراتيجية قوى الاقطاع السياسي في لبنان. ويقع على القوى السياسية السورية و الشعب السوري و على المجتمع الدولي العاتق والمسؤولية تجاه اللاجئين السوريين لتخطي هذه المأساة والحملات المحمومة الغير مسبوقة ، التي قد تهدد حياة عشرات الآلاف في حال تم اتخاذ قرارات غير مسؤولة لترحيلهم.