مقال | بقلم الزميل د. منذر أبو مروان اسبر , عضو المكتب التنفيذي في هيئة التنسيق الوطنية
٢١ أيار ٢٠٢٤
يصّر المفكر الفرنسي الفريد فوييه على ان الشعوب لاتتمايز بالجغرافيا او الاقتصاد او العرق وانما بتطلعاتها العليا وارادتها القوية ومبادئها الكبرى وان هذا ينعكس في شخصيات مرموقة لديها.
يوسف العظمة هو واحدة من الشخصيات في التاريخ السوري الذي جسد فعلا هذه التطلعات العليا والارادة القوية والمبادئ الكبرى.
وهذه الشخصية الوطنية السورية هي من التمايز عن غيرها من الشخصيات الاخرى في حكومة دمشق العربية عام ١٩٢٠ بحيث يمكن القول انها عنوان المقاومة والتحرر.
فامام انتقال حضارة ” الرجل الابيض المتفوق ” في كافة الميادين والذي جعل من الديمقراطية نمط الحكم والمواطنة والدولة ، وتحّوله الى نظام توسعي استعماري يريد الزحف على سورية ووضع يده عليها ، اختار يوسف العظمة المقاومة والتصدي للعدوان الاستعماري.
جسد يوسف العظمة بذلك مقررات المؤتمر السوري عام ١٩١٩ و ١٩٢٠ في رفض الانتداب وتقسيم سورية والتاكيد على وحدتها واستقلالها واقامة نظام سياسي مدني نيابي ورفض مطلب الصهيونية في وطن قومي لليهود و واختارسيادة الشعب السوري في حكم نفسه بنفسه.
والواقع ان يوسف العظمة وهو شخصية من شخصيات دولة دمشق العربية ووزير دفاعها قد ادرك ان الثورة التي اندلعت عام ١٩١٦ ضد العثمانية الاستبدادية التتريكية التي رفضت اللامركزية السياسية للعرب أن “عهد الرجل المريض القديم ” الذي انتهي ، انما يحلّ محله عهد ” الرجل الابيض الحديث ” الذي يريد بدوره وضع نير الوصاية على العرب . في الحالين الصراع مازال قائما بين شعوب عربية تريد التحرر والحرية وبين امبريالية تريد السيطرة عليها سواء باشكالها الكلاسيكية العثمانية او الحديثة الغربية.
لم تفد اطلاقا مع الامبريالية الجديدة المطالبة بحق تقرير المصير ولا الاستنجاد بضمير العالم المتمدن ولابمبادئ الحرية والمساواة ولا باحالة المسالة الوطنية السورية الى التحكيم الدولي، بل على العكس من ذلك قامت هذه الامبريالية بتوجيه الانذار لحكومة دمشق العربية فرضا عليها بقبول انتداب قرارات “الشرعية الدولية” لعصبة الامم.
تراجعت الطبقة السياسية في الدفاع عن البلاد وصولا الى قبول الانتداب وبتعارض كلي مع مظاهرات الحركة السورية الشعبية الصاخبة ضد الانتداب نفسه بما خلق ثلما في الحركة الوطنية وبين القيادة السياسية اذ يقول فارس الخوري ان ” الشعب لن يقدر ذلك ..وسيكون هناك من يقول دائما ليتهم رفضوا الانذار واختاروا الحرب والنضال “في هذه الاوضاع بالذات ” كان يوسف العظمة قد انتخب( خان ميسلون) لتحشيد الجنود وتكوين الجبهة الجديدة وكان قد شرع في تحصين المنطقة بحفر الخنادق في مختلف الاتجاهات ـ ساطع الحصري ـ يوم ميسلون“.
استشهد يوسف العظمة في ميسلون في معركة لامتكافئة على كافة المستويات بينه وبين القوات الاحتلالية التي استمرت في اجتياحها للاراضي السورية وصولا الى دمشق في ٢٤ تموز ١٩٢٠.
بهذا لايمكننا ان ننظر الى هذه المعركة من الزاوية البراغماتية بقدر مايجب النظر اليها من خلال الارادة المصممة على التمسك بالقضية الوطنية دفاعا عنها وصولا الى التضحية من اجلها ، ولان الشعوب لاتقاس بانتصارات معاركها الحربية بقدر ما تقاس بالمبادئ العليا التي تحملها والطريق الذي تشقه نحو المستقبل .
يكفي القول ان معركة ميسلون هي التي فتحت الطريق الى ثورات شعبية ضد الاحتلال الاستعماري بدءا من ثورة الشيخ صالح العلي الى ثورة سلطان باشا الاطرش الى ثورة ابراهيم هنانو الى الانتفاضات الشعبية في دمشق وان هذه الثورات وان لم يقيّض لها الانتصار فورا فانها شكلت جميعا المسار الضروري لاستقلال سورية عام ١٩٤٦.
في حين نجد ان سورية اصبحت محتلة من جديد وان الامبرياليات التوسعية الاقليمية منها والدولية تتنازع على اقتسامها رغم ما تطرحه من مبادئ دينية كانت ام قومية ام ليبرالية، ونرى قبول السلطة والعديد من المعارضات السورية بماتراه القوى الخارجية وما تقوم به من مصادرة السلم والحياة الكريمة للشعب السوري ، فان ذكرى يوسف العظمة وقيادات الثورات والانتفاضات السورية عدا عن انها تطرح المسالة الوطنية علينا مجددا ، فانها تبقى الحقيقة التاريخية التي يتجسّد بها الشعب السوري.